Website counter

بحث هذه المدونة الإلكترونية

موقع خاص بالبحث في مجال الفلسفة والعلوم الإنسانية

الأربعاء، 22 يونيو 2016

مفهوم السلطة عند ابن تيمية:





1- ابن تيمية وإقامة الحد

مجموع فتاوى ابن تيمية الجزء الرابع والثلاثون (ص175:)

كتاب الحدود: قال شيخ الإسلام قدس الله روحه ... خاطب الله المؤمنين بالحدود والحقوق خطابا مطلقا كقوله : " والسارق والسارقة فاقطعوا " ( وقوله )"  الزانية والزاني فاجلدوا " لكن قد علم أن المخاطب بالفعل لا بد أن يكون قادرا عليه والعاجزون لا يجب عليهم وقد علم أن هذا فرض على الكفاية وهو مثل الجهاد؛ بل هو نوع من الجهاد. فقوله: "كتب عليكم القتال"  وقوله:" وقاتلوا في سبيل الله" هو فرض على الكفاية من القادرين و" القدرة " هي السلطان؛ فلهذا: وجب إقامة الحدود على ذي السلطان ونوابه. والسنة أن يكون للمسلمين إمام واحد والباقون نوابه فإذا فرض أن الأمة خرجت عن ذلك لمعصية من بعضها وعجز من الباقين ….  فكان لها عدة أئمة: لكان يجب على كل إمام أن يقيم الحدود ويستوفي الحقوق؛ ولهذا قال العلماء إن أهل البغي ينفذ من أحكامهم ما ينفذ من أحكام أهل العدل؛ وكذلك لو شاركوا الإمارة وصاروا أحزابا لوجب على كل حزب فعل ذلك في أهل طاعتهم ….؛ لكن طاعتهم للأمير الكبير ليست طاعة تامة؛ فإن ذلك أيضا إذا أسقط عنه إلزامهم بذلك لم يسقط عنهم القيام بذلك؛  بل عليهم أن يقيموا ذلك؛ …. وقول من قال: لا يقيم الحدود إلا السلطان ونوابه. إذا كانوا قادرين فاعلين بالعدل. كما يقول الفقهاء: الأمر إلى الحاكم إنما هو العادل القادر فإذا كان مضيعا لأموال اليتامى؛ أو عاجزا عنها: لم يجب تسليمها إليه مع إمكان حفظها بدونه وكذلك الأمير إذا كان مضيعا للحدود أو عاجزا عنها لم يجب تفويضها إليه مع إمكان إقامتها بدونه والأصل أن هذه الواجبات تقام على أحسن الوجوه. فمتى أمكن إقامتها من أمير لم يحتج إلى اثنين ومتى لم يقم إلا بعدد ومن غير سلطان أقيمت إذا لم يكن في إقامتها فساد يزيد على إضاعتها فإنها من " باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر " فإن كان في ذلك من فساد ولاة الأمر أو الرعية ما يزيد على إضاعتها لم يدفع فساد بأفسد منه.

لن نجد بطبيعة الحال لدى ابن تيمية كلاما صريحا عن السلطة، ولكننا نجد عنده وصفا واضحا لكيفية تدبيرها، وهو ما يسمى لدى أهل السلفية " بالحاكمية ". فالحاكمية عندهم أكبر من أن تخصص لدى سلطة الأمير أو الحاكم، فلا حاكمية عندهم إلا لله، وهذا يعني أنها تشمل كل المؤمنين دون استثناء، كما هو واضح في هذا النص لابن تيمية. فإذا قمنا بتحليله، نجد كيف يفهم ابن تيمية ما يسمى اليوم بالسلطة، وكيف يدعو إلى ممارستها.

أولا ابن تيمية يخاطب كل المؤمنين دون تقييد أو حصر، من خلال قوله خاطب الله المؤمنين، ويستشهد في ذلك بالآيتين عن السارق والسارقة والزاني والزانية. وهو بذلك يضع نفسه فوق الأمير وغيره، مستقبلا لكلام الله منفذا له. أي منفذا لما يسميه الحدود والحقوق. ذلك أن ذلك حسبه فرض من الله على كل المسلمين دون استثناء. فيكون الحاكم أو الأمير، مقاما غير ملزم. ثم يقول إن تنفيذ الحد والحقوق واجب على كل من استطاع ذلك. والاستطاعة هنا تعني القدرة، أي القوة الفاعلة، كما في الحروب. " وقاتلوا في سبيل الله " عند ابن تيمية ليست محصورة بمقاتلة الغزاة في الحروب، بل هي تمتد إلى تطبيق الحدود في كل الأحوال التي تقتضيها أمور الفصل بين الرعية وتدبير شؤونها. فالسرقة أو الزنا هي تماما كالحرب مع الغزاة، دعوة من الله لكافة المسلمين أن يستجيبوا لها بالفعل، كلما استدعى الأمر ذلك، وهي واجب على كل من له القدرة أي القوة. أي أن المسلم القادر والقوي أداة الله في الأرض حسب ابن تيمية، تستجيب لأمر الله متى لزم الأمر: إنها جهاد. ولا يكون الأمير أميرا، أو الأمراء أمراء إلا بتطبيق الحد، وإلا سقطت الطاعة لديه، وجاز تنفيذ الحد لعموم المؤمنين حكما لله. ويعطي ابن تيمية مثال الأمير المضيع لحقوق اليتيم، فيجيز ويأمر بمخالفة الحاكم حفظا للحقوق وعدم تمكينه منها وتدبيرها وفق حكم الله كما يراه ابن تيمية، وكأنه أمر بديهي. فهو يقول: " قد علم (برفع العين) أن المخاطب لابد أن يكون قادرا". لذلك يقول السلف: " الحق بين " أي بديهي من خلال قول الله. كما أن الأمير أو الأمراء الذين لا يطبقون الحدود مسألة بديهية. فلا تأويل آخر لقول الله، ولا فهم آخر لعدم تطبيق الأمير للحدود. فإذا رأى الأمير أن يدبر شؤون الناس بقواعد أخرى على نحو ما نعرفه اليوم من قوانين ونظم وتوزيع السلط والإدارة ... الخ. فإن ذلك لا يؤخذ إلا بكونه جنوح عن تنفيذ أحكام الله! وعلى كافة المؤمنين وعمومهم واجب القيام بذلك التنفيذ كما يرى ابن تيمية. غير أن ذلك ينبغي أن يكون بتدرج، فإذا كان فيه ضرر عليهم، فلا جناح عليهم أن يكتفوا ب: " الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر " لكن حينما تحصل القدرة، فإنه واجب تنفيذ الحد بالقوة وحد السيف. وهذا ما نراه يحصل اليوم في المجتمعات العربية. ففي بعض الدول، يقوم " المؤمنون " لتوفر القوة لديهم بتنفيذ الحد بالسلاح، فتقطع الرؤوس وتذبح الناس وتسبى النساء وترجم وتجلد (فهي من مغانم الجهاد وفق الفهم السلفي المتشدد).

السلطة عند ابن تيمية هي: 1- الغلبة – القوة – تطبيق آيات الله على جملة الفهم لها – العقيدة على نحو واحد في الفهم – عموم الناس – أهل الرأي وعلماء الدين والفقهاء (أي ابن تيمية ومن معه) – الرعية.

2- ليس هناك مؤسسات بل جماعات – ليس هناك اختصاص طبق المعرفة العلمية بالخاص، بل الأحكام وفق فهم عام – ليس هناك مسؤول في رأس هرم السلطة، بل مسؤولين وفق الحاجة – ليس هناك مواطن، بل رعية ترعى – ليس هناك زمن، بل ثبات لنصوص ليست كلها مضبوطة – ليس هناك قوانين، بل الأعراف المتداولة وفق السياسة – ليس هناك دولة، بل الحاكمية وفق القوة.

3- ليس هناك اجتهاد في النصوص الفقهية، بل التقليد والثبات – الاجتهاد يساوي البدعة والخروج عن الدين – ليس هناك علم إلا مجموعة من النصوص التي جمعت في صحيح البخاري الذي اعتبر أصح كتاب بعد القرآن كما يقول أصحاب السلفية – ولا اجتهاد في النص، بل النقل منه.

بهذا نستطيع أن نفهم العقل السلفي التقليدي المتشدد، وبهذا نستطيع أن نفهم ما يحصل على الأرض من اقتتال وذبح وتعميم الخوف والانهيار الاقتصادي. وبهذا نستطيع أن نفهم ونستشرف مآل وأفق هذا العالم الذي يسمى العالم العربي والشرق الأوسط. وبالجملة، فإن السلطة عند ابن تيمية ومن ولاه، هي حرب الكل ضد الكل، وسيادة العقيدة كما وضعها صانعوها، كما لو كانت هي الدين الإسلامي. وأي فهم أو اجتهاد في تطوير المجتمعات هو زندقة وخروج عن الملة وكفر يستوجب الحد، أي الذبح. 
الدكتور أحمد الطريبق  

ليست هناك تعليقات:

المتابعون

من أنا